بعد مشاركتها في مهرجان تميتار بمدينة آكادير بتجربة موسيقية جديدة في غناء الشعر الأمازيغي عبر تطويعه في قوالب موسيقية عالمة تنبعث منها نفحات شرقية وغربية متوسطية، شاركت أخيرا الباحثة في غنائيات البحر الأبيض المتوسط، السوبرانو المغربية سميرة القادري في مهرجان صيف الوداية الذي تنظمه وزارة الثقافة بشراكة مع المجلس الوطني للموسيقى، والذي أداره باحترافية الإعلامي المغربي سمير باحجين، وقد كرم فيه الموسيقار المغربي عبد الوهاب الدكالي في افتتاح أولى أيام المهرجان الذي حضره وزير الثقافة وعدد من المتتبعين والفنانين والأدباء المغاربة، وفيه أتحفت القادري جمهور الحديقة الأندلسية بروائع صوفية حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، من الأدب الألخميادى لاسبانيا المسلمة.
وقد استمتع في البداية الجمهور الرباطي بتقديمها الرفيع الذي نورت به المتلقي وبينت له من خلاله الأهداف من تناول الشعر المورسكي والاهتمام به في الوقت الراهن، وذلك حسب قولها خلال هذا الحفل - ايمانا منها بأن القضية اللفلسطينية ليست سوى امتداد للقضية الموريسكية- .
كما أعلنت لجمهورها الذي عودته على الجديد في طرح المواضيع المرتبطة بالتاريخ والموسيقى على حد سواء، خاصة فيما يتعلق بالقضية الموريسكية التي تستحق حسب قولها بضرورة استحضار شعراء عبروا عن هويتهم وعن دينهم الاسلامي عزمها على كتابة أمداح نبوية، وتوسلات بأسماء الله الحسنى المتأثرة بتوسلات في عرض غنائي رفيع يجمع بين المتعة بصوتها الفيروزي وشروحاتها الأكاديمية التي تنم عن درايتها العميقة بهذا المجال.
وبمناسبة هذا الشهر الفضيل، قدمت سميرة القادري بعض القصائد من ألبومها الجديد الذي فازت به أخيرا بجائزة المهاجر العالمية للفنون التي تنظمها منظمة المهاجر الثقافية بملبورن الأسترالية عن عملها الفني الموسوم ب : " من البشرات الى عرفات"، والذي يتضمن أشعارا لعدد من الشعراء الصوفيين الذين عاشوا في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، والذين نظموا أشعارا ابتهالية يندمج فيها الشعر الغنائي القشتالي بالإلهام الإسلامي متأثرين بأعلام اللغة العربية، والتي تتجلى فيها عدد من المشاهد المأساوية، خاصة عندما يصطدم المصير المجهول للموريسكي بالتيه بين العدوتين، حيث تتنقل القادري من أنشودة الى أخرى تتميز بالتمازج الممتع والمثير المتسم بالحساسية القشتالية الأصيلة التي برعت الفنانة في انشادها بلغة الألخميادو.
وفي الأخير ذكرت القادري أن "من البشرات إلى عرفات" هو عمل صعب في غياب مراجع دقيقة لتحقيقه، حيث بدأت الاشتغال عليه منذ 2008، واستندت فيه على بعض المخطوطات الموجودة بالأسكوريال بمدريد والتي حققت في السنوات الأخيرة، فيما أهدت هذا العرض الذي استوحته من هذا العمل لروح المورسكيين الذين ابتعدوا عن ديارهم الأندلسية بعدما عمروها تسع قرون وصنعوا بها مجدا يذكره التاريخ.